فصل: ما يَبْطُلُ به الخلع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصَلِّ: إذَا بَنَى مَسْجِدًا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ :

(إذَا بَنَى مَسْجِدًا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكُ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا قَالَ بَنَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاحَةً زَالَ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فِيهَا ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ (حَتَّى يَفْرِزَهُ) أَيْ يُمَيِّزَهُ (عَنْ مِلْكِهِ) مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ (بِطَرِيقِهِ) أَيْ مَعَ طَرِيقِ الْمَسْجِدِ بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ سَبِيلًا عَامًّا يَدْخُلُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُصُ لِلَّهِ تَعَالَى إلَّا بِهِ (وَيَأْذَنَ) أَيْ لِكُلِّ النَّاسِ (بِالصَّلَاةِ) أَيْ بِكُلِّ الصَّلَاةِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا فَلَوْ أَذِنَ لِقَوْمٍ أَوْ لِلنَّاسِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً مَثَلًا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيُصَلِّي فِيهِ) وَلَوْ بِلَا أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ (وَاحِدٌ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَوْضِعُ السُّجُودِ وَيَحْصُلُ بِفِعْلِ الْوَاحِدِ (وَفِي رِوَايَةٍ) عِنْدَهُمَا (شَرْطُ صَلَاةِ جَمَاعَةٍ) جَهْرًا بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَ سِرًّا بِأَنْ كَانَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا اتِّفَاقًا لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِالْجَمَاعَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ.
(وَلَا يَضُرُّ جَعْلُهُ) أَيْ جَعْلُ الْوَاقِفِ (تَحْتَهُ) أَيْ تَحْتَ الْمَسْجِدِ (سِرْدَابًا) هُوَ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِلتَّبْرِيدِ وَغَيْرِهِ (لِمَصَالِحِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ حُكْمِ الْمَسْجِدِ كَمَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
(وَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ السِّرْدَابِ (لِغَيْرِ مَصَالِحِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (أَوْ جَعَلَ) الْوَاقِفُ (فَوْقَهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ (بَيْتًا وَجَعَلَ بَابَهُ) أَيْ بَابَ الْمَسْجِدِ (إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ) أَيْ مَيَّزَهُ عَنْ مِلْكِهِ.
(أَوْ اتَّخَذَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذِنَ) أَيْ كُلَّ النَّاسِ (بِالصَّلَاةِ) أَيْ كُلِّ الصَّلَاةِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكِ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ (عَنْهُ) عَنْ الْمَسْجِدِ (وَلَهُ) أَيْ الْمَالِكِ (بَيْعُهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ (فَيُورَثُ) أَيْ عَنْ الْمَالِكِ إذَا مَاتَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى لِبَقَاءِ مِلْكِ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَهَذَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَوَّلِيَّيْنِ وَأَمَّا فِي الثَّالِثَةِ فَلِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِجَوَانِبِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ الْمَنْعِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ بَنَى بَيْتًا عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ لِسُكْنَى الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ فِي كَوْنِهِ مَسْجِدًا لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْوَاقِفِ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ، فَمَنْ بَنَى عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَجَبَ هَدْمُهُ وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمَسْجِدِ مُسْتَغَلًّا وَلَا مَسْكَنًا، وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَبِهِ يُفْتَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَادَ إلَى الْمَالِكِ، وَمِثْلُهُ حَشِيشُ الْمَسْجِدِ وَحَصِيرُهُ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُمَا كَمَا فِي الْمِنَحِ.
وَفِي الْبَحْرِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي آلَاتِ الْمَسْجِدِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي تَأْبِيدِ الْمَسْجِدِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ) أَيْ مِلْكِ الْمَالِكِ الْمَجَازِيِّ (بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ مُطْلَقًا) لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ.
(وَلَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ) عَلَى الْمُصَلِّينَ (وَبِجَنْبِهِ طَرِيقُ الْعَامَّةِ يُوَسَّعُ) الْمَسْجِدُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ، وَكَذَا لَوْ ضَاقَ وَبِجَنْبِهِ أَرْضٌ لِرَجُلٍ يُؤْخَذُ أَرْضُهُ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ كُرْهًا (وَبِالْعَكْسِ) يَعْنِي لَوْ ضَاقَ الطَّرِيقُ وَبِجَنْبِهِ مَسْجِدٌ وَاسِعٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ يُوَسَّعُ الطَّرِيقُ مِنْهُ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا لِلْمُسْلِمِينَ وَالْعَمَلُ بِالْأَصْلَحِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ جَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرَ يُعَارِضُ هَذَا التَّعْلِيلَ تَدَبَّرْ (رِبَاطٌ اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ يُصْرَفُ وَقْفُهُ إلَى أَقْرَبِ رِبَاطٍ إلَيْهِ) هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَلِهَذَا صَوَّرَهُ عَلَى صُورَةِ الِاتِّفَاقِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ حَوْضٌ أَوْ مَسْجِدٌ خَرِبَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَصْرِفَ أَوْقَافَهُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ حَوْضٍ آخَرَ.
وَفِي الْمِنَحِ وَالْمَسْجِدُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَا يُصَلَّى فِيهِ وَخَرِبَ مَا حَوْلَهُ يَعُودُ إلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ كَمَا كَانَ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَبْقَى مَسْجِدًا أَبَدًا انْتَهَى، هَذِهِ الرَّاوِيَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا فِي الدُّرَرِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَمَا حُكِيَ مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا أَمَرَّ بِمَزْبَلَةٍ فَقَالَ هَذَا مَسْجِدُ أَبِي يُوسُفَ وَمَرَّ أَبُو يُوسُفَ عَلَى إصْطَبْلٍ فَقَالَ هَذَا مَسْجِدُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَضْعِ الْجَهَلَةِ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمْ الطَّعْنُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ.
وَفِي الْغَرَرِ إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ وَقَلَّ مَرْسُومُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ الْوَقْفِ الْآخَرِ إلَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا فَلَا.

.الْوَقْفُ فِي الْمَرَضِ:

(وَالْوَقْفُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ) فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ وَقَفَ الْمَرِيضُ دَارِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا صَحَّ بَعْدَ الدَّيْنِ فِي ثُلُثِهِ (وَيُتَّبَعُ) مُضَارِعٌ مَجْهُولٌ مِنْ الِاتِّبَاعِ بِالتَّشْدِيدِ (شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي إجَارَةِ الْوَقْفِ إنْ وُجِدَ) شَرْطُ الْإِجَارَةِ حَتَّى إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِ سَنَةٍ وَكَانَ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَدَرَّ عَلَى الْوَاقِفِ وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُخَالِفَ شَرْطَهُ وَلَكِنَّهُ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُؤَجِّرَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الْإِجَارَةِ (فَنَخْتَارُ) لِلْفَتْوَى (أَنْ لَا تُؤَجَّرَ الضِّيَاعُ) جَمْعُ ضَيْعَةٍ (أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا) يُؤَجَّرَ (غَيْرُهَا) أَيْ غَيْرِ الضِّيَاعِ (أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَأَمَّا الْأَوْقَافُ الَّتِي فِي دِيَارِنَا فَتُؤَجَّرُ بِالْإِجَارَاتِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى لَوْ آجَرَ الْقَيِّمُ دَارَ الْوَقْفِ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ أَوْ الْمُؤَجَّلَةِ عَلَى رَجُلٍ مَثَلًا لَا تُنْزَعُ عَنْ يَدِهِ مَا دَامَ يُؤَدِّي الْأُجْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ وَيَتَصَرَّفُ كَيْفَ مَا يَشَاءُ فَإِنْ مَاتَ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى عَلَى السَّوِيَّةِ وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى سَائِرِ الْوَرَثَةِ بَلْ يَأْخُذُهَا لِلْوَقْفِ وَيُؤَجِّرُهَا إلَى غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ.
(وَلَا يُؤَجَّرُ) الْوَقْفُ (إلَّا بِأَجْرِ الْمِثْلِ) حَتَّى لَوْ آجَرَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ كَأَبٍ آجَرَ مَنْزِلَ صَغِيرِهِ بِدُونِهِ، إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ بِالْمِثْلِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَشَرْطُ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْكُلِّ أَمَّا لَوْ زَادَهَا وَاحِدٌ وَاثْنَانِ تَعَنُّتًا فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الْإِيجَارِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ (لَا تُنْقَضُ) أَيْ لَا تُفْسَخُ تِلْكَ الْإِجَارَةُ (إنْ زَادَتْ الْأُجْرَةُ لِكَثِيرَةِ الرَّغْبَةِ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَجْرُ الْمِثْلِ يَوْمَ الْعَقْدِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَأَمَّا إذَا زَادَ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَالْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ إذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ.
وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ إذَا آجَرَ الْقَيِّمُ دَارَ الْوَقْفِ مِنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ آجَرَ مِنْ عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ وَكَذَا إنْ آجَرَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ.
(وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) كَالْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ وَالْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِمْ (أَنْ يُؤَجِّرَ) الْوَقْفَ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْوَقْفِ إنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ وَلَوْ غُصِبَ الْوَقْفُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ حَقُّ الْخُصُومَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي لَكِنْ فِي الْمِنَحِ إذَا كَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ الْوَقْفُ لَا يَسْتَرِمُّ وَغَيْرُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَلَّةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ وَهَذَا فِي الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَأَمَّا الْأَرَاضِي إنْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَسَائِرِ الْمُؤَنِ فَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ وَيَكُونُ الْخَرَاجُ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ (إلَّا بِإِنَابَةٍ) مِنْ الْمُتَوَلِّي (أَوْ وِلَايَةٍ) مِنْ الْوَاقِفِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ (وَلَا يُعَارُ) الْوَقْفُ (وَلَا يُرْهَنُ) حَتَّى لَوْ سَكَنَ فِيهِ الْمُرْتَهِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ.
(وَإِنْ غُصِبَ عَقَارُهُ) أَيْ عَقَارُ الْوَقْفِ (يَخْتَارُ وُجُوبَ الضَّمَانِ) يَعْنِي الْمُخْتَارَ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَالدُّورِ الْمَوْقُوفَةِ الضَّمَانُ كَمَا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي غَصْبِ مَنَافِعِ الْوَقْفِ الضَّمَانُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا مَنَافِعُ مَالِ الْيَتِيمِ وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ إذَا سَكَنَ الْمُتَوَلِّي دَارَ الْوَقْفِ بِغَيْرِ أَجْرٍ قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَى السَّاكِنِ، وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّارُ مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ لَمْ تَكُنْ؛ صِيَانَةً عَنْ أَيْدِي الظَّلَمَةِ وَقَطْعًا لِلْأَطْمَاعِ الْفَاسِدَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا سَكَنَ دَارَ الْوَقْفِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَاقِفِ وَبِغَيْرِ أَمْرِ الْقَيِّمِ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمُتَوَلِّي دَارَ الْوَقْفِ فَسَكَنَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضٍ فَأَبْطَلَ الْبَيْعَ وَظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ لِلْوَقْفِ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَجْرُ مِثْلِهِ وَهَلْ يَضْمَنُ الْمُتَوَلِّي إنْ اقْتَصَرَ شَيْئًا مِنْ مَصَالِحِ الْوَقْفِ قِيلَ إنْ كَانَ فِي عَيْنٍ ضَمِنَهَا وَإِنْ كَانَ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا.
وَفِي الْقُنْيَةِ انْهَدَمَ الْوَقْفُ فَلَمْ يَحْفَظْ الْقَيِّمُ حَتَّى ضَاعَ نَقْضُهُ يَضْمَنُ اشْتَرَى الْقَيِّمُ مِنْ الدَّهَّانِ دُهْنًا وَدَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ أَفْلَسَ الدَّهَّانُ بَعْدُ لَمْ يَضْمَنْ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلْقَيِّمِ فِي خَلْطِ مَالِ الْوَقْفِ بِمَالِهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ جَازَ وَلَا يَضْمَنُ وَلَوْ أَخَذَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ مِنْ غَلَّتِهِ أَشْيَاءَ ثُمَّ مَاتَ بِلَا بَيَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ هَذَا فِيمَا إذَا لَمْ يُطَالِبْ الْمُسْتَحِقُّ وَأَمَّا إذَا طَالَبَهُ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ ثُمَّ مَاتَ بِلَا بَيَانٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا، هَذَا فِي الْغَلَّةِ أَمَّا فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ ضَامِنًا إذَا مَاتَ بِلَا بَيَانٍ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَفَ عَلَيْهِ غَلَّةَ دَارٍ لَيْسَ لَهُ السُّكْنَى وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ السُّكْنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِغْلَالُ.
(وَلَوْ شَرَطَ) الْوَاقِفُ (الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ وَكَانَ خَائِنًا تُنْزَعُ مِنْهُ) أَيْ يَعْزِلُ الْقَاضِي الْوَاقِفَ الْمُتَوَلِّي عَلَى وَقْفِهِ (وَإِنْ) وَصَلْيَةٌ، شَرَطَ الْوَاقِفُ (أَنْ لَا تُنْزَعَ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَيَبْطُلُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنَّ عَزْلَ الْقَاضِي لِلْخَائِنِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ الْإِثْمُ بِتَرْكِهِ وَالْإِثْمُ بِتَوْلِيَةِ الْخَائِنِ وَلَا شَكَّ فِيهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ وِلَايَةَ الْوَاقِفِ تَكُونُ إذَا شَرَطَهَا لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الْغُرَرِ مَرِضَ الْمُتَوَلِّي وَفَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى غَيْرِهِ جَازَ، وَلَوْ مَاتَ الْمُتَوَلِّي بِلَا تَفْوِيضِهَا إلَى غَيْرِهِ فَالرَّأْيُ فِي نَصْبِ الْمُتَوَلِّي إلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ إلَى وَصِيِّهِ ثُمَّ إلَى الْقَاضِي وَالْبَانِي لِلْمَسْجِدِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْمِ بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ فِي الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّا عَيَّنَهُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَمَا دَامَ أَحَدٌ يَصْلُحُ لِلتَّوْلِيَةِ مِنْ أَقَارِبِ الْوَاقِفِ لَا يُجْعَلُ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْأَجَانِبِ، أَرَادَ الْمُتَوَلِّي إقَامَةَ غَيْرِهِ مُقَامَهُ فِي حَيَاتِهِ إنْ كَانَ التَّفْوِيضُ لَهُ عَامًّا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا.
وَفِي الدُّرَرِ وَتُقْبَلُ فِيهِ أَيْ فِي الْوَقْفِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ وَإِنْ صَرَّحُوا بِالتَّسَامُعِ بِخِلَافِ سَائِرِ مَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَالنَّسَبِ فَإِنَّهُمْ إذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَجْوِيزِ الْقَبُولِ بِتَصْرِيحِ التَّسَامُعِ حِفْظٌ لِلْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ وَغَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ لِإِثْبَاتِ شَرْطِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى أَصْلِ الْوَقْفِ بِالشُّهْرَةِ وَعَلَى شَرَائِطِهِ أَيْضًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ وَالْمُخْتَارُ مَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَبَيَانِ الْمَصْرِفِ مِنْ أَصْلِهِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالتَّسَامُعِ لِتَوَقُّفِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، هَذَا إذَا كَانَ أَصْلُ الْوَقْفِ لَمْ يَسْتَنِدَ إلَى مِلْكٍ شَرْعِيٍّ أَمَّا إذَا اسْتَنَدَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ بَلْ تَجِبُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَسْجِيلِهِ وَبِهِ يُفْتَى الْيَوْمَ لِأَنَّ الْمِلْكَ الشَّرْعِيَّ لَا يُنْزَعُ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى تَسْجِيلِ الْوَقْفِ لَا بِالتَّسَامُعِ تَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِنْ الْغَوَامِضِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ.
مُتَوَلٍّ بَنَى فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ فَهُوَ أَيْ الْبِنَاءُ يَكُونُ لِلْوَقْفِ إنْ بَنَاهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَنَوَاهُ لِلْوَقْفِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، وَإِنْ بَنَى لِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَيْ لِلْمُتَوَلِّي نَفْسِهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا بَنِي وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ نَوَى كَوْنَهُ لِلْوَقْفِ كَانَ وَقْفًا كَذَا الْغَرْسُ وَالْغَرْسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَسْجِدِ مُطْلَقًا هَذَا إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي أَمَّا إذَا أَحْدَثَ رَجُلٌ عِمَارَةً فِي الْوَقْفِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَأْمُرَهُ بِالرَّفْعِ إنْ لَمْ يَضُرَّ رَفْعُهُ الْبِنَاءَ الْقَدِيمَ وَإِلَّا فَهُوَ الَّذِي ضَيَّعَ مَالَهُ فَلْيَتَرَبَّصْ إلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مَالَهُ مِنْ تَحْتِ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَأْخُذُهُ وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ لِلْوَقْفِ بِثَمَنٍ لَا يُجَاوِزُ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ مَنْزُوعًا أَوْ مَبْنِيًّا فِيهِ صَحَّ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ وَقْفٍ مَشْهُورٍ اشْتَبَهَتْ مَصَارِفُهُ وَقَدْرُ مَا يُصْرَفُ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ قَالَ يُنْظَرُ إلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِهِ فِيمَا سَبَقَ مِنْ الزَّمَانِ أَنَّ قَوَّامُهُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ فِيهِ وَإِلَى مَنْ يَصْرِفُونَهُ فَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْلَعُونَ ذَلِكَ عَلَى مُوَافَقَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَهُوَ الْمَظْنُونُ بِحَالِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ.
وَفِي التَّنْوِيرِ اشْتَرَى الْمُتَوَلِّي بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لَا تَلْحَقُ بِالْمَنَازِلِ الْمَوْقُوفَةِ وَيَجُوزُ بَيْعُهَا فِي الْأَصَحِّ مَاتَ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَوْفِيَا وَظِيفَتَهُمَا مِنْ الْوَقْفِ سَقَطَ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى مَعْنَى الصِّلَةِ كَالْقَاضِي وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى إمَامِ دَارٍ وَقْفٌ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَمْ يَسْتَوْفِ الْأُجْرَةَ حَتَّى مَاتَ فَيَبْنِي إنْ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَإِنْ آجَرَهَا الْإِمَامُ لَا يَسْقُطُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
وَفِي الدُّرَرِ بَاعَ دَارًا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْت وَقَفْتهَا أَوْ قَالَ وَقْفٌ عَلَيَّ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى لِلتَّنَاقُضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِي وَلَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ قُبِلَتْ عَلَى الْمُخْتَارِ وَيُنْقَضُ الْبَيْعُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَقْفٌ بَيْنَ أَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ فِي يَدِ الْحَيِّ أَوْلَادُ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْحَيُّ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَالْبَاقِي غَيْبٌ وَالْوَقْفُ وَاحِدٌ تُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ وَلَوْ أَقَامَ أَوْلَادُ الْأَخِ بَيِّنَةً أَنَّ الْوَقْفَ مُطْلَقٌ عَلَيْك وَعَلَيْنَا فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي الْوَقْفِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَوَّلًا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ مَنْ يَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي يَوْمٍ لَا دَرْسَ فِيهِ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ جَائِزًا.
وَفِي الْحَاوِي إذَا كَانَ مَشْغُولًا بِالْكِتَابَةِ أَوْ التَّدْرِيسِ لَوْ اشْتَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يَزِيدَ فِي وَظِيفَةِ مَنْ يَرَى زِيَادَتَهُ أَوْ يَنْقُصَ مِنْ وَظِيفَةِ مَنْ يَرَى نُقْصَانَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَأَنْ يُدْخِلَ مَعَهُمْ مَنْ يَرَى إدْخَالَهُ وَأَنْ يُخْرِجَ مَنْ يَرَى إخْرَاجَهُ جَازَ ثُمَّ إذَا زَادَ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا أَوْ نَقَصَهُ مَرَّةً أَوْ أَدْخَلَ أَحَدًا أَوْ أَخْرَجَ أَحَدًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَهُ وَقَعَ عَلَى فِعْلٍ يَرَاهُ فَإِذَا رَآهُ أَوْ أَمْضَاهُ فَقَدْ انْتَهَى مَا رَآهُ إلَّا لِشَرْطِهِ، وَتَمَامُهُ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ.

.بَاب الْخُلْعِ:

الْمُنَاسَبَةُ الْخَاصَّةُ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ النُّشُوزُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَالْخُلْعُ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ هُوَ لُغَةً النَّزْعُ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّرْشِيحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} فَكَأَنَّهُمَا إذَا فَعَلَا ذَلِكَ نَزَعَا لِبَاسَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ وَالْمَذْكُورُ هُنَا بِالضَّمِّ إلَّا أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَصِفَتُهُ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَمُعَارَضَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَمِينٌ عِنْدَ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَأَلْفَاظُهُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ وَالتَّطْلِيقُ وَالْمُبَايَنَةُ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ الزَّوْجَةُ خَالَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا وَقَالَ خَلَعْت وَشَرْعًا (وَهُوَ الْفَصْلُ عَنْ النِّكَاحِ) الْمُرَادُ بِهِ الصَّحِيحُ فَخَرَجَ بِهِ الْفَاسِدُ وَمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لَا مِلْكَ فِيهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْكَنْزِ لَكِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ فَصْلٌ عَنْ النِّكَاحِ وَلَيْسَ بِخُلْعٍ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ هَذَا تَفْسِيرٌ لَا تَعْرِيفٌ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ (أَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِمَالٍ لِيَخْلَعَهَا بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ وَكَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا عَرِيَ عَنْ الْبَدَلِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ وَفِي الْفَتْحِ وَفِي الشَّرْعِ أَخْذُ الْمَالِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْأَوْلَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِ مَعَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالْفَرْقِ بِخُصُوصِ الْمُتَعَلِّقِ وَالْقَيْدِ الزَّائِدِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِنَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ فِيهِ وَبِبَدَلٍ فِيمَا يَلِيه فَالصَّحِيحُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ بَلْ فِي حُكْمِهِ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ لَا مُطْلَقًا انْتَهَى لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا عَرِيَ عَنْ الْبَدَلِ كَمَا إذَا قَالَ خَالَعْتُكِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَوْلَى مَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى قَبُولِهَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ تَأَمَّلْ (وَلَا بَأْس بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (عِنْدَ الْحَاجَةِ) بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عِنْدَ ضَرُورَةِ عَدَمِ قَبُولِ الصُّلْحِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِيُصْلَحَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُصْلِحَا جَازَ لَهُ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْخُلْعِ أَوْلَى (وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا وَقِيلَ تَنْزِيهًا (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (أَخْذُ شَيْءٍ) مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (إنْ نَشَزَ) الزَّوْجُ أَيْ كَرِهَهَا وَبَاشَرَ أَنْوَاعَ الْأَذَى.
(وَ) كُرِهَ (أَخْذُ أَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا) مِنْ الْمَهْرِ (إنْ نَشَزَتْ) الْمَرْأَةُ فَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ مَا قَبَضَتْهُ مِنْهُ هَذَا عَلَى رِوَايَةٍ الْأَصْلِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا لَكِنَّ اللَّائِقَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ نَاقِصًا مِنْ الْمَهْرِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ الْمَالِ (وَالْوَاقِعُ بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ) بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَالٍ كَذَا أَوْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا وَيَقُولَ هُوَ طَلَّقْتُك عَلَيْهِ (بَائِنٌ) إذَا كَانَ بِعِوَضٍ لَا رَجْعِيٌّ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْكِنَايَاتِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا إنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ هُنَا لِأَنَّهُ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ كَالصَّرِيحِ وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ طَلَاقًا لَا يُسْمَعُ قَضَاءً لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْخُلْعَ رَجْعِيٌّ وَعَنْهُ فِي قَوْلِ الْقَدِيمِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَسْخٌ بِالنِّكَاحِ (وَيَلْزَمُ الْمَالُ الْمُسَمَّى) فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِهِ (وَمَا صَلُحَ) أَنْ يَكُونَ (مَهْرًا صَلُحَ) أَنْ يَكُونَ (بَدَلًا لِلْخُلْعِ) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا فَيَأْخُذُهُ لَا غَيْرُ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ فَيَأْخُذُهُ وَسَطًا أَوْ مَجْهُولًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا الْأَصْلُ لَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى جَازَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَالْأَقَلِّ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَكَذَا مَا فِي يَدِهَا وَبُطُونِ غَنَمِهَا أَوْ جَارِيَتِهَا مِنْ الْوَلَدِ أَوْ ضُرُوعِ غَنَمِهَا مِنْ اللَّبَنِ أَوْ نَخِيلِهَا مِنْ الثِّمَارِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ بَيَانُ الْجِنْسِ لَا بَيَانُ الْقَدْرِ فَلَا يَضُرُّ.
(وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِيهِ) أَيْ فِي الْخُلْعِ (يَقَعُ بَائِنًا) لِكَوْنِهِ كِنَايَةً (وَفِي الطَّلَاقِ) الصَّرِيحِ (يَقَعُ رَجْعِيًّا بِلَا شَيْءٍ) أَيْ لَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِيهِمَا (كَمَا إذَا خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِمُقَابَلَتِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى مُتَقَوِّمٌ وَكَذَا الْبُضْعُ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ.
وَفِي الْمِنَحِ خَالِعْنِي عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ الْمَأْخُوذَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِكَوْنِهِ خَمْرًا لِأَنَّهَا قَدْ سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَتَصِيرُ غَارَّةً لَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَا شَيْءَ.
(أَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَ) الْحَالُ (لَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ تَشْمَلُ مَالَهُ قِيمَةٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَا تَغُرُّهُ بِذِكْرِهِ مَا لَهُ قِيمَةٌ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ وَكَذَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِي أَوْ مَا فِي شَجَرِي أَوْ نَخْلِي وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ حَالَ قَوْلِهَا فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ.
(وَإِنْ قَالَتْ) خَالِعْنِي (عَلَى مَا فِي يَدِيَ مِنْ دَرَاهِمَ وَ) الْحَالُ (لَا شَيْءَ فِي يَدِهَا لَزِمَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا دِرْهَمٌ تُؤْمَرُ بِإِتْمَامِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَهُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا قَالَ فِي الْجَامِعِ إنْ كَانَ فِي يَدِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةٌ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَفِي يَدِهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ كَانَ حَانِثًا لِأَنَّ مِنْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ تَكُونُ صِلَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ} فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ كَانَ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ كَانَ صِلَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِيَ دَرَاهِمَ كَانَ الْكَلَامُ مُخْتَلًّا، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ لَا أَشْتَرِي الصَّيْدَ قِيلَ إنَّمَا يُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى الْجِنْسِ إذَا كَانَ احْتِمَالُ كُلِّ الْجِنْسِ فِيهِ مُتَصَوَّرًا وَلَا تَصَوُّرَ هُنَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا وَقِيلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ هُنَا زَائِدَةٌ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
(وَإِنْ قَالَتْ) خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِيَ (مِنْ مَالٍ) أَوْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَتَاعٍ وَالْحَالُ لَا شَيْءَ فِيهِمَا (لَزِمَهَا رَدُّ مَهْرِهَا) إنْ كَانَ مَقْبُوضًا أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مَتَى أَطْعَمَتْهُ فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَمْ تُسَلِّمْ لَهُ لِفَقْدِهِ وَعَدَمِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ حَيْثُ أَطْعَمَتْهُ فِي مَالٍ وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِالْبَدَلِ فَإِذَا فَاتَ الشُّرُوطُ الْمَطْمَعَ فِيهِ زَالَ مِلْكُهُ مَجَّانًا فَيَلْزَمُهَا أَدَاءُ الْمُبْدَلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ وَقَدْ عَجَزَتْ عَنْ رَدِّهِ فَيَلْزَمُهَا رَدُّ قِيمَتِهِ وَهُوَ الْمَهْرُ وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَالِهَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَهْرِ، وَإِنْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا مَتَاعَ لَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِهَا الْآبِقِ) صِفَةُ الْعَبْدِ (عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ الْعَبْدُ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا (لَا تَبْرَأُ) الْمَرْأَةُ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبِهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ (وَلَزِمَهَا تَسْلِيمُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (إنْ أَمْكَنَ) التَّسْلِيمُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ (فَقِيمَتُهُ) لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ إلَّا أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلِذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
(وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ) فَتُجْعَلُ الْأَلْفُ ثَلَاثًا كُلُّ ثُلُثٍ بِمُقَابَلَةِ وَاحِدَةٍ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ثِنْتَيْنِ فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَزِمَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهَا بِإِزَاءِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا دَفْعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ (وَبَانَتْ) لِوُجُوبِ الْمَالِ (وَفِي عَلَى) أَلْفٍ (يَقَعُ رَجْعِيًّا بِلَا شَيْءٍ) أَيْ مَجَّانًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ كَلِمَةُ عَلَى (كَالْبَاءِ) فِي الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى أَنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ، لَهُ كَلِمَةُ عَلَى لِلشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَاءِ لِأَنَّهَا لِلْعِوَضِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَانَ مُبْتَدَأً فَوَقَعَ فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ.
(وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ) نَفْسَهَا (وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَالزَّوْجُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ فَلَأَنْ تَرْضَى بِبَعْضِهَا كَانَ أَوْلَى.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ) فِي الْمَجْلِسِ (بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِلْقَبُولِ وَهَذَا مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْوَاقِعُ بِهِ وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ بَائِنٌ، وَلَوْ تَرَكَ هَاهُنَا وَذَكَرَ لُزُومَ الْمَالِ وَالْقَبُولِ ثَمَّةَ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَوْلَى تَأَمَّلْ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت نِصْفَ هَذِهِ التَّطْلِيقَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِالْأَلْفِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَتْ قَبِلْت نِصْفَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ كَانَ بَاطِلًا.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ) الْمَرْأَةُ فِي الْأُولَى (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ فِي الثَّانِيَةِ حَالَ كَوْنِهِمَا (مَجَّانًا وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَقْبَلَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَزُفَرُ (لَا) تَطْلُقُ وَلَا يَعْتِقُ (مَا لَمْ يَقْبَلَا) الْأَلْفَ (وَإِذَا قَبِلَا لَزِمَ الْمَالُ) وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَلَك الْأَلْفُ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَقَالَ طَلَّقْتُك عَلَى الْأَلْفِ الَّتِي سَمَّيْتهَا إنْ قَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ وَيَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا مَجَّانًا عِنْدَهُ لِلْمُخَالَفَةِ وَعِنْدَهُمَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ بِإِزَاءِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ مُجِيبٌ بِالْوَاحِدَةِ مُبْتَدِئٌ بِالْبَاقِي، وَإِنْ ذَكَرَ الْأَلْفَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ وَإِذَا قَبِلَتْ الْكُلَّ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَقَطْ وَإِنْ قَبِلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَثِنْتَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَالْخُلْعُ) كَالطَّلَاقِ بِمَالٍ (مُعَاوَضَةً فِي حَقِّهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا تَبْذُلُ مَالًا لِتَسْلَمَ نَفْسُهَا وَفَرَّعَ بِقَوْلِهِ (فَيَصِحَّ رُجُوعُهَا) عَنْ إيجَابِهَا (قَبْلَ قَبُولِهِ) أَيْ الزَّوْجِ (بَعْدَمَا أَوْجَبَتْ) بِأَنْ قَالَتْ اخْتَلَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا أَوْ اخْتَلِعْنِي عَلَى كَذَا وَكَذَا فَرَجَعَتْ عَنْهُ قَبْلَ قَبُولِهِ بَطَلَ الْإِيجَابُ.
(وَ) يَصِحُّ (شَرْطُ الْخِيَارِ لَهَا) أَيْ شَرْطُ الزَّوْجِ الْخِيَارَ لِلْمَرْأَةِ فَلَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ أَوْ طَلَّقْتُك عَلَى كَذَا عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَبِلَتْ جَازَ وَبَطَلَ الْخِيَارُ إنْ رَدَّتْ فِي الثَّلَاثِ وَطَلُقَتْ إنْ لَمْ تَرُدَّ فِيهِ وَلَزِمَ الْبَدَلُ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يَصِحُّ الْخِيَارُ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَزِمَ الْبَدَلُ.

.ما يَبْطُلُ به الخلع:

(وَيَبْطُلُ) الْخُلْعُ (بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا هِيَ أَحْكَامُ الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَصِحُّ إضَافَتُهُ وَتَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ غَابَ وَبَلَغَهُ وَأَجَازَ لَمْ يَجُزْ.
(وَ) الْخُلْعُ (يَمِينٌ فِي حَقِّهِ) أَيْ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِشَرْطِ قَبُولِهَا الْمَالَ (فَلَا يَرْجِعُ بَعْدَمَا أَوْجَبَ) قَبْلَ قَبُولِهَا كَمَا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْ الْيَمِينِ (وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ) أَيْ لَا يَصِحُّ خِيَارُهُ لِنَفْسِهِ إجْمَاعًا كَمَا لَا يَصِحُّ فِي الْيَمِينِ (وَلَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ قَبُولِهَا) بَلْ يَصِحُّ إنْ قَبِلَتْ كَمَا لَا يَبْطُلُ الْيَمِينُ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حُضُورِهَا بَلْ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ غَائِبَةً وَيَصِحُّ مِنْهُ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الْوَقْتِ.
(وَجَانِبُ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ كَجَانِبِهَا) فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً مِنْ جَانِبِهِ فَتُعْتَبَرُ أَحْكَامُهَا وَيَمِينًا مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَيُعْتَبَرُ أَحْكَامُ الْيَمِينِ حَتَّى أَنَّهُ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِلْمَوْلَى اشْتَرَيْت نَفْسِي مِنْك بِكَذَا كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِ الْمَوْلَى فَإِذَا قَالَ الْمَوْلَى لَهُ بِعْت نَفْسَك بِكَذَا لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَقِسْ عَلَيْهِ شَرْطَ الْخِيَارِ وَغَيْرِهِ.
(وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلَّقْتُك أَمْسِ بِأَلْفٍ فَلَمْ تَقْبَلِي فَقَالَتْ بَلْ قَبِلْت فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بِمَالٍ يَمِينٌ مِنْ جَانِبِهِ وَقَبُولِهَا شَرْطُ الْحِنْثِ فَيَتِمُّ الْيَمِينُ بِلَا قَبُولٍ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْيَمِينِ إقْرَارًا بِالْحِنْثِ لِصِحَّتِهَا بِدُونِهِ بَلْ هِيَ ضِدَّهُ وَلِهَذَا يُنْتَقَضُ بِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْحِنْثِ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُودَ الشَّرْطِ.
(وَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ) يَعْنِي مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ بِعْت مِنْك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ أَمْسِ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ بَلْ قَبِلْت (فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالشِّرَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَإِنْكَارُهُ يَكُونُ رُجُوعًا فِيهِ فَلَا يُسْمَعُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ ادَّعَى الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ وَهِيَ تُنْكِرُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالدَّعْوَى فِي الْمَالِ بِحَالِهَا وَعَكْسُهُ لَا.

.أحكام الْمُبَارَأَةُ:

(وَالْمُبَارَأَةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَعْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا بَرِيئًا لِلْآخَرِ مِنْ الدَّعْوَى، وَتَرْكُ الْهَمْزَةِ خَطَأٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (كَالْخُلْعِ وَيُسْقِطُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ (كُلَّ حَقٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ) الصَّحِيحِ فَإِنَّ الْخُلْعَ فِي الْفَاسِدِ لَا يُسْقِطُ الْمَهْرَ وَقَيَّدَهُ بِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يُسْقِطَانِ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ مِنْ الدُّيُونِ ثُمَّ فَرَّعَ فَقَالَ (فَلَا تُطَالِبُ هِيَ بِمَهْرٍ وَلَا نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ مَفْرُوضَةٍ) بِالْقَضَاءِ وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَلَدِ وَالْعِدَّةِ فَلَا تَسْقُطُ إلَّا بِالذِّكْرِ، وَالسُّكْنَى لَا تَسْقُطُ مُطْلَقًا إلَّا إنْ أَبْرَأَتْهُ عَنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى بِأَنْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي بَيْتِ نَفْسِهَا أَوْ تُعْطِي الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهَا فَيَصِحُّ إلْزَامُهَا ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا شَرَطَا الْبَرَاءَةَ مِنْ نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَهِيَ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ إنْ وَقَتَّا لِذَلِكَ وَقْتًا كَسَنَةٍ مَثَلًا صَحَّ وَلَزِمَ وَإِلَّا لَا.
وَفِي الْبَحْرِ إنْ كَانَ الْوَلَدُ رَضِيعًا صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ تُرْضِعُهُ حَوْلَيْنِ بِخِلَافِ الْفَطِيمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ شَهْرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ فَطَالَبَتْهُ بِالنَّفَقَةِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ لَا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ اخْتَلَعَتْ عَلَى أَنْ تُمْسِكَهُ إلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ صَحَّ فِي الْأُنْثَى لَا الْغُلَامِ (وَلَا) يُطَالَبُ (هُوَ بِنَفَقَةٍ عَجَّلَهَا وَلَمْ تَمْضِ مُدَّتُهَا) أَيْ مُدَّةِ النَّفَقَةِ الْمُعَجَّلَةِ (وَلَا بِمَهْرٍ سَلَّمَهُ) إلَيْهَا (وَخُلْعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ) لِأَنَّ جَمِيعَهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُمَا يُسْقِطَانِهَا جَمِيعًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةُ (لَا يَسْقُطُ إلَّا مَا سَمَّيَاهُ فِيهِمَا) أَيْ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ (وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الْمُبَارَأَةِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي الْخُلْعِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ فَلْيُطَالَبْ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ.
(وَلَوْ خَلَعَ) الْأَبُ (صَغِيرَتَهُ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالِهَا) أَوْ عَلَى مَهْرِهَا (لَا يَلْزَمُ الْمَالُ وَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا وَطَلُقَتْ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ خَلَعَتْ الْمَرْأَةُ بِمَالِهَا أَوْ مَهْرِهَا وَهِيَ غَيْرُ رَشِيدَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْمَالُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْمُرَادُ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ إذْ الْفُرْقَةُ إذَا كَانَتْ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَبَائِنٌ وَبِالطَّلَاقِ رَجْعِيٌّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَهُوَ لَمْ يُجِزْ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْجَوَازَ فِي كَلَامِهِ يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْمَالِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا وَقِيلَ يَتَوَقَّفُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ وَقَيَّدَ بِالْأُنْثَى لِأَنَّهُ لَوْ خَلَعَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَتَوَقَّفُ خُلْعُ الصَّغِيرِ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ (وَفِي الْكَبِيرَةِ يَتَوَقَّفُ) الْخُلْعُ (عَلَى قَبُولِهَا) لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا فَصَارَ كَالْفُضُولِيِّ.
(وَلَوْ خَلَعَ) الْأَبُ (عَلَى أَنَّهُ ضَامِنٌ) لِبَدَلِ الْخُلْعِ صَحَّ وَ (لَزِمَهُ) أَيْ الْأَبَ (الْمَالُ وَطَلُقَتْ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْخُلْعِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ فَعَلَى الْأَبِ أَوْلَى.
(وَلَوْ شَرَطَ) الزَّوْجُ (الْمَالَ عَلَيْهَا) أَيْ الصَّغِيرَةِ (طَلُقَتْ بِلَا شَيْءٍ إنْ قَبِلَتْ) الصَّغِيرَةُ وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ بِأَنْ كَانَتْ تَعْقِلُ أَنَّ النِّكَاحَ جَالِبٌ وَالْخُلْعَ سَالِبٌ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ فَلِوُجُودِ الشَّرْطِ وَأَمَّا عَدَمُ لُزُومِهَا الْمَالَ فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْغَرَامَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ أَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقَبُولِ أَوْ كَانَ الْمُخَالِعُ أَجْنَبِيًّا وَلَمْ يَضْمَنْ (فَلَا تَطْلُقُ) اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ قَالَ خَالَعْتُكِ بِدُونِ ذِكْرِ شَيْءٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ وَبَرِئَ عَنْ الْمَهْرِ الْمُؤَجَّلِ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُدَّتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ مَا سَاقَ إلَيْهَا مِنْ الْمُعَجَّلِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
(وَ) لَوْ خَلَعَ الْمَرِيضَةَ مَرَضَ الْمَوْتِ (يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الْخُرُوجِ.

.كِتَاب الْبُيُوع:

وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى مَالِكٍ وَفِيهِ الْيَدُ فَنَزَلَ الْوَقْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْبَسِيطِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، وَالْبَسِيطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُرَكَّبِ فِي الْوُجُودِ فَقَدَّمَهُ فِي التَّعْلِيمِ وَهِيَ جَمْعُ بَيْعٍ بِمَعْنَى مَبِيعٍ، كَضَرْبِ الْأَمِيرِ.
وَالْمَبِيعَاتُ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَجْنَاسٌ مُتَفَاوِتَةٌ أَوْ جَمْعُ الْمَصْدَرِ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ إمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ إمَّا بَيْعُ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ وَيُسَمَّى مُقَايَضَةً أَوْ بِالثَّمَنِ وَهُوَ الْبَيْعُ الْمَشْهُورُ أَوْ بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ وَهُوَ الصَّرْفُ أَوْ دَيْنٍ بِثَمَنٍ وَهُوَ السَّلَمُ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ يُسَمَّى مُسَاوَمَةً أَوْ اُعْتُبِرَ مَعَ زِيَادَةٍ فَهُوَ الْمُرَابَحَةُ أَوْ بِدُونِهَا فَهُوَ التَّوْلِيَةُ أَوْ مَعَ النَّقْصِ فَهُوَ الْوَضْعِيَّةُ أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ كَعُلُومٍ فِي جَمْعِ عِلْمٍ وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ عَلَى الْإِخْرَاجِ عَنْ الْمِلْكِ وَالْإِدْخَالِ فِيهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وَلَا يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ».
أَيْ لَا يَشْتَرِي عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ الشِّرَاءُ لَا الْبَيْعُ وَيَقَعُ غَالِبًا عَلَى إخْرَاجِ الْمَبِيعِ عَنْ الْمِلْكِ قَصْدًا، وَيَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ نَحْوَ بَاعَهُ الشَّيْءَ وَبَاعَهُ مِنْهُ وَرُبَّمَا دَخَلَتْ اللَّامُ فَيُقَالُ بِعْت الشَّيْءَ وَبِعْت لَك فَهِيَ زَائِدَةٌ وَابْتَاعَ زَيْدٌ الدَّارَ بِمَعْنَى اشْتَرَاهَا وَبَاعَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَيْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ وَكَذَا الشِّرَاءُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أَيْ بَاعُوهُ.
وَيَقَعُ غَالِبًا عَلَى إخْرَاجِ الثَّمَنِ عَنْ الْمِلْكِ قَصْدًا.
ثُمَّ الْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِصُدُورِ رُكْنِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلٍّ قَابِلٍ لِحُكْمِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَهَذَا كَمَا فِي الْحِسِّيَّاتِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِي إيجَادِ السَّرِيرِ إلَى النَّجَّارِ وَهُوَ مِثْلُ الْعَاقِدِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِلَى الْآلَةِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَإِلَى النَّجْرِ وَهُوَ مِثْلُ إخْرَاجِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْشَاءِ وَإِلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَبِيعُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَهْلِ الْحِكْمَةِ: إنَّ الْعِلَّةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ، آلِيَّةٍ كَالْفَأْسِ وَمَحَلِّيَّةٍ كَالْخَشَبِ وَفَاعِلِيَّةٍ كَالنَّجَّارِ وَحَالِيَّةٍ كَالنَّجْرِ.
وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَسَائِلُ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعُقُودِ عِنْدَ دُخُولِ الْمُفْسِدِ مِنْ حَيْثُ الْأَهْلُ وَمِنْ حَيْثُ الْمَحَلُّ أَوْ غَيْرُهُ، فَإِنَّ بِذَلِكَ يَخْتَلِفُ الْأَمْرُ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَاقِدُ أَهْلًا.
وَيَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عِنْدَ تَوَقُّفِ الْأَهْلِيَّةِ وَكَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَمَشْرُوعِيَّةُ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَبِالسُّنَّةِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَبِالْمَعْقُولِ (الْبَيْعُ) فِي الشَّرْعِ (مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ) لَمْ يَقُلْ بِالتَّرَاضِي لِيَتَنَاوَلَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ مُنْعَقِدٌ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا وَغَيْرُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ قَيْدٌ بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكُتُبِ لِإِخْرَاجِ مُبَادَلَةِ رَجُلَيْنِ مَالَهُمَا بِطَرِيقِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ بَقَاءً.
انْتَهَى.
وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ تَبَرُّعًا مَحْضًا لَا مُبَادَلَةً فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمُبَادَلَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ وَكَذَا لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدٍ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ كَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْمُبَادَلَةِ أَيْضًا.
(وَيَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ أَيْ يَحْصُلُ شَرْعًا (بِإِيجَابٍ) هُوَ كَلَامُ أَوَّلِ مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَالَ إنْشَاءِ الْبَيْعِ سُمِّيَ بِالْإِيجَابِ مُبَالَغَةً لِكَوْنِهِ مُوجِبًا أَيْ مُثْبِتًا لِلْآخَرِ خِيَارَ الْقَبُولِ (وَقَبُولٍ) أَيْ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ أَوْ بِسَبَبِهِمَا وَهُوَ كَلَامُ ثَانِي مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالِ.
فَعُلِمَ أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مِنْ أَرْكَانِهِ فَمِنْ الظَّنِّ أَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى الْفَاءِ فَإِنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا لَمْ يَنْعَقِدْ وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ لِأَنْوَاعِهِ الْأَرْبَعَةِ: الْجَائِزَ وَالْفَاسِدَ وَالْمَوْقُوفَ وَالْبَاطِلَ.
كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْوَكِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَّا فِي الْأَبِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الْأَبُ إذَا اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِلَفْظٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ يَكُونُ أَصْلًا فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ بِأَنْ بَاعَ مَالَهُ فَقَالَ بِعْتُ هَذَا مِنْ وَلَدِي فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ: بِعْت.
أَمَّا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ لَا يَكُونُ هُوَ أَصْلًا فِي اللَّفْظِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْمَالَ لِوَلَدِي لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ وَيَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ بِعْتُ.
وَمِنْهَا الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ الْيَتِيمِ أَوْ يَشْتَرِي مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ وَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَمِنْهَا الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى مَالَ الْيَتِيمِ لِلْقَاضِي بِأَمْرِ الْقَاضِي وَمِنْهَا الْعَبْدُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ قَضَاءٌ وَقَضَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ فَلَا يَمْلِكُ كَمَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْيَتِيمَةِ مِنْ نَفْسِهِ (بِلَفْظِ الْمَاضِي كَبِعْت وَاشْتَرَيْت) لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَالشَّرْعُ قَدْ اعْتَبَرَ الْإِخْبَارَ إنْشَاءً فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ وَلِأَنَّ الْمَاضِيَ إيجَابٌ وَقَطْعٌ وَالْمُسْتَقْبَلَ عِدَةٌ أَوْ أَمْرٌ وَتَوْكِيلٌ وَلِهَذَا انْعَقَدَ بِالْمَاضِي.
وَفِي الْقُنْيَةِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ وَبَيَّنَ التَّوْفِيقَ بَيْنَ قَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمُضَارِعِ الْحَالَ يَنْعَقِدُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِقْبَالَ وَالْوَعْدَ لَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ.
وَفِي التُّحْفَةِ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ يَنْعَقِدُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَأَمَّا بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ لَا إلَّا بِالنِّيَّةِ.
قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ عَلَامَةَ الرِّضَى، وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْحَالِ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَى وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ الْمَاضِي.
فَقَوْلُ الْهِدَايَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ: أَحَدَهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ مَحَلُّهُ مَا إذَا خَلَا عَنْ النِّيَّةِ أَوْ مُرَادُهُ الْمُسْتَقْبَلُ الْمُصَدَّرُ بِالسِّينِ أَوْ (سَوْفَ) فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ فَلَا يَرِدُ عَلَى كَلَامِ الْهِدَايَةِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَفَصَّلَ الْمَوْلَى سَعْدِيُّ أَفَنْدِي فِي هَذَا الْمَحَلِّ فِي حَاشِيَتِهِ فَلْيُطَالَعْ.
وَفِي الْمُحِيطِ سَمَاعُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ.
وَلَوْ سَمِعَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ وَقَالَ الْبَائِعُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ وَقْرٌ لَمْ يُصَدَّقْ (وَمَا دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُمَا) أَيْ مَعْنَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ كَقَوْلِ الْبَائِعِ أَعْطَيْت أَوْ بَذَلْت أَوْ رَضِيت أَوْ جَعَلْت لَك هَذَا بِكَذَا فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى بِعْت وَقَالَ الْمُشْتَرِي اخْتَرْت أَوْ قَبِلْت أَوْ فَعَلْت أَوْ أَجَزْت أَوْ أَخَذْت وَقَدْ يَقُومُ الْقَبْضُ مَقَامَ الْقَبُولِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا (بِالتَّعَاطِي) لِأَنَّ جَوَازَهُ بِاعْتِبَارِ الرِّضَى وَقَدْ وُجِدَ وَحَقِيقَتُهُ وَضْعُ الثَّمَنِ وَأَخْذُ الْمُثَمَّنِ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا فِي الْمَجْلِسِ كَمَا قَالُوا وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعْطَاءٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَفْتَى بِهِ الْحَلْوَانِيُّ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لَكِنْ فِي التَّنْوِيرِ وَيُكْتَفَى بِالْإِعْطَاءِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا لَمْ يُصَرِّحْ مَعَ التَّعَاطِي بِعَدَمِ الرِّضَى.
وَفِي الْمِنَحِ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ التَّعَاطِي يَثْبُتُ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَبِهَذَا يَنْتَظِمُ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ.
وَفِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ التَّعَاطِي التَّنَاوُلُ وَهُوَ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِعْطَاءَ مِنْ جَانِبٍ وَالْأَخْذَ مِنْ جَانِبٍ لَا الْإِعْطَاءَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا فَهِمَ الطَّرَسُوسِيُّ.
وَفِي الْكَرْخِيِّ وَبِهِ يُفْتَى وَاكْتَفَى الْكَرْمَانِيُّ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مَعَ بَيَانِ الثَّمَنِ أَمَّا إذَا دَفَعَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَلَا يَجُوزُ (فِي النَّفِيسِ) كَالْعَبِيدِ وَالْجَوَاهِرِ (وَالْخَسِيسِ) كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالْخَسِيسِ دُونَ النَّفِيسِ.
(وَلَوْ قَالَ خُذْهُ بِكَذَا فَقَالَ أَخَذْت أَوْ رَضِيت صَحَّ) لِأَنَّ قَوْلَهُ خُذْهُ أَمْرٌ بِالْأَخْذِ بِالْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْته مِنْك فَخُذْهُ فَقُدِّرَ الْبَيْعُ اقْتِضَاءً فَيَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ وَفَرَّقَ فِي الْوَلْوَالِجِيَّةِ فِي الْقَبُولِ بِنَعَمْ بَيْنَ أَنْ يَبْدَأَ الْبَائِعُ بِالْإِيجَابِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَإِنْ بَدَأَ الْبَائِعُ فَقَالَ بِعْت عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي نَعَمْ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ وَإِنْ بَدَأَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْت عَبْدَك هَذَا بِأَلْفٍ وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ جَوَابٌ.
(وَإِذَا أَوْجَبَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (فَلِلْآخَرِ أَنْ يَقْبَلَ كُلَّ الْمَبِيعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْخِطَابِ أَوْ بِالرَّسُولِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَسُولِهِ قُلْ لِفُلَانٍ بِعْت عَبْدِي مِنْهُ بِكَذَا فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ اشْتَرَيْت أَوْ بِالْكِتَابِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَفِيرٌ فَمَجْلِسُهُ كَمَجْلِسِ الْعَقْدِ بِالْخِطَابِ فَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْهُ فَبَلِّغْهُ يَا فُلَانُ فَبَلَّغَهُ هُوَ رَجُلٌ آخَرُ جَازَ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَقُلْ بَلِّغْهُ فَبَلَّغَهُ فَقَبِلَ، لَا يَجُوزُ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ اتِّفَاقًا كَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَفِي الزَّاهِدَيَّ لَوْ قَالَ بِعْنِي مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَضَرَ الْغَائِبُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ اشْتَرَيْت صَحَّ (أَوْ يَتْرُكُ) كُلَّ الْمَبِيعِ بِعَيْنٍ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذَا بِكَذَا فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ غَيْرُ مُجْبَرٍ فَيَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَ فَهَذَا خِيَارُ الْقَبُولِ فَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّفَكُّرِ وَالتَّرَوِّي، وَالْمَجْلِسُ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَاعْتُبِرَ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَمْتَدُّ بَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ (لَا) يَقْبَلُ آخَرُ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا (بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ كُلَّ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضَهُ بِكُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لِلصَّفْقَةِ وَأَنَّهُ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ضَمَّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ فَلَوْ صَحَّ التَّفْرِيقُ يَزُولُ الْجَيِّدُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَبْقَى الرَّدِيءُ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي يَرْغَبُ فِي الْجَمِيعِ فَإِذَا فَرَّقَ الْبَائِعُ الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ يَتَضَرَّرُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآخَرُ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ قَبُولِهِ فِي الْبَعْضِ وَيَكُونَ الْمَبِيعُ بِمَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِالْقِيمَةِ كَثَوْبَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ قَبِلَ الْآخَرُ (إلَّا إذَا بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ) مِمَّا قَبِلَ الْآخَرُ وَمِمَّا تَرَكَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِالتَّفْرِيقِ وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى إيجَابَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَمَّا إذَا كَرَّرَ فِي الْبَيَانِ لَفْظَ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ بِعْت هَذَا بِدِرْهَمٍ وَبِعْت هَذَا بِدِرْهَمٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يُكَرِّرْ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ لَفْظِ بِعْت عِنْدَهُ وَبِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْخِلَافَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ) سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا (أَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا) يَعْنِي لَوْ كَانَا قَاعِدَيْنِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا (عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ) ظَرْفٌ لَرَجَعَ وَقَامَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ (بَطَلَ الْإِيجَابُ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ لُزُومُ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِدُونِ الْقَبُولِ فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْمُشْتَرِي فَفِي رُجُوعِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَائِعِ وَهُوَ تَمَلُّكُهُ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فَفِي رُجُوعِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَهُوَ تَمَلُّكُهُ الْمَبِيعَ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوجِبِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ لِلْآخَرِ وَبِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ وَالرُّجُوعِ وَلَهُمَا ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ فَإِنْ قِيلَ الصَّرِيحُ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ فَلَوْ قَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ قَبِلْت يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الرُّجُوعُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيجَابَ بَطَلَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّصْرِيحُ بَعْدَهُ وَفِي الْفَتْحِ وَعَلَى اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَأَمَّا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ أَوْ يَسِيرَانِ وَلَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَأَجَابَ الْآخَرُ لَا يَصِحُّ لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إنْ أَجَابَ عَلَى فَوْرِ كَلَامِهِ مُتَّصِلًا جَازَ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ النَّوَازِلِ إذَا أَجَابَ بَعْدَمَا مَشَى خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ جَازَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا يَمْشِيَانِ مُتَّصِلًا لَا يَقَعُ الْإِيجَابُ إلَّا فِي مَكَان آخَرَ بِلَا شُبْهَةٍ.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ لَا يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُ فِي صَلَاةِ فَرِيضَةٍ فَفَرَغَ مِنْهَا وَأَجَابَ صَحَّ.
وَكَذَا فِي نَافِلَةٍ فَضَمَّ إلَى رَكْعَةِ الْإِيجَابِ أُخْرَى ثُمَّ قَبِلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْمَلَهَا أَرْبَعًا وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ كُوزٌ فَشَرِبَ ثُمَّ أَجَابَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَكْمَلَ لُقْمَةً لَا يَتَبَدَّلُ الْمَجْلِسُ إلَّا إذَا اشْتَغَلَ بِالْأَكْلِ وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَامَا مُضْطَجِعَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَا قَائِمَيْنِ وَاقِفَيْنِ فَسَارَا أَوْ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْإِيجَابُ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُمْ وَلَكِنْ يَتَشَاغَلُ فِي الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْبَيْعِ بَطَلَ الْإِيجَابُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا إنَّ مَا فِي الْإِصْلَاحِ مِنْ قَوْلِهِ (أَوْ قَامَ أَيُّهُمَا) لَمْ يَقُلْ عَنْ مَجْلِسِهِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ عَنْ الْمَجْلِسِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْإِعْرَاضِ فِيهِ كَلَامٌ لِوُجُودِ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ بِدُونِ الْقِيَامِ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ الْقِيَامِ تَبَدُّلُ مَجْلِسِ الْإِيجَابِ مُطْلَقًا تَدَبَّرْ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَقَعَدَ ثُمَّ قَبِلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ بِالْقُعُودِ لَمْ يَكُنْ مُعْرِضًا.
وَفِي الْقُنْيَةِ رَجُلٌ فِي الْبَيْتِ فَقَالَ الَّذِي فِي السَّطْحِ بِعْته مِنْك بِكَذَا فَقَالَ اشْتَرَيْت صَحَّ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرَى صَاحِبَهُ وَلَا يَلْتَبِسُ الْكَلَامُ لِلْبُعْدِ وَكَذَا إذَا تَعَاقَدَا وَبَيْنَهُمَا النَّهْرُ وَالسَّفِينَةُ كَالْبَيْتِ.
(وَإِذَا وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ) مِنْ الْمُتَقَاعِدَيْنِ (لَزِمَ الْبَيْعُ) وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِهِمَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ وَلَا إلَى إجَازَةِ الْبَائِعِ بَعْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ (بِلَا خِيَارِ مَجْلِسٍ) إلَّا مِنْ عَيْبٍ أَوْ عَدَمِ رُؤْيَةٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُ بِهِ بَلْ لَهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» فَإِنَّ التَّفَرُّقَ عَرَضٌ يَقُومُ بِالْجَوْهَرِ وَهُوَ الْأَبْدَانُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَفِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِأَحَدِهِمَا إضْرَارٌ لِلْآخَرِ فَلَا يَثْبُتُ وَالْخِيَارُ فِيمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْمَقْبُولِ وَتَفَرُّقُهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَقْوَالِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِعْت وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَشْتَرِي لِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ بَيْعِهِمَا» وَهَذَا لِأَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثَةٌ قِسْمٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ رُكْنٌ مَا وَهِيَ حَالَةُ الْهَيْئَةِ وَقِسْمٌ وُجِدَ فِيهِ رُكْنَانِ وَقِسْمٌ وُجِدَ فِيهِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَنَقُولُ هَذَا الِاسْمُ وَهُوَ كَوْنُهُمَا مُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ صُدُورِ الرُّكْنَيْنِ وَبَعْدَهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ فِي الْأَوَّلِ وَبِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الثَّانِي وَفِيمَا إذَا وُجِدَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ مُرَادًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُرَادًا وَالْآخَرُ مُحْتَمَلٌ لِلْإِرَادَةِ وَتَمَامُهُ فِي الْعِنَايَةِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الْعِوَضِ الْمُشَارِ إلَيْهِ) مَبِيعًا كَانَ أَوْ ثَمَنًا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْعِوَضِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الثَّمَنِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ.
وَقَالَ سَعْدِي أَفَنْدِي وَتَقْرِيرُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْوَاضِ الْأَثْمَانُ فَتَأَمَّلْ فِي التَّرْجِيحِ (بِلَا مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَقْوَى أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ مَعَهَا لَا تُقْضَى إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ لِأَنَّ الْعِوَضَيْنِ حَاضِرَانِ وَالْأَمْوَالُ الرِّبَوِيَّةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ فَإِنَّ بَيْعَ الْحِنْطَةِ بِجِنْسِهَا مَثَلًا لَا يَجُوزُ بِالْإِشَارَةِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَكَذَا السَّلَمُ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا كَانَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (لَا) يَصِحُّ الْبَيْعُ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِلَا مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ كَعَشْرَةٍ وَنَحْوِهَا وَصِفَتِهِ كَكَوْنِهِ مِصْرِيًّا أَوْ دِمَشْقِيًّا لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَيُعَرَّى الْعَقْدُ عَنْ الْمَقْصُودِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ هَذِهِ صِفَتُهَا تَمْنَعُ الْجَوَازَ هَذَا فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ وَفِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِمَتَاعٍ عِنْدَهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يَعْرِفَا مِقْدَارَهُ جَازَ كَمَا فِي الزَّاهِدِي.
(وَ) يَصِحُّ الْبَيْعُ (بِثَمَنٍ حَالٍّ وَمُؤَجَّلٍ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ) مَعْنَاهُ إذَا بِيعَ بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَلَمْ يَجْمَعْهَا قَدْرٌ لِأَنَّهُ لَوْ بِيعَ بِجِنْسِهِ وَجَمَعَهُمَا قَدْرٌ لَمْ يَجُزْ تَأْجِيلُهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ قُيِّدَ بِمَعْلُومٍ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْأَجَلِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْبَائِعُ يُطَالَبُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَالْمُشْتَرِي يَأْبَاهَا فَيَفْسُدُ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْأَقَلِّ، أَوْ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ اتِّفَاقَا عَلَى قَدْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقُيِّدَ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ عَيْنًا لَا يَصِحُّ الْأَجَلُ فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ الْأَجَلُ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ لَا يَصِحُّ.
وَفِي الْمِنَحِ لَوْ بَاعَ مُؤَجَّلًا انْصَرَفَ إلَى شَهْرٍ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرْعِ فِي السَّلَمِ وَالْيَمِينُ فِي لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ أَجَلٌ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ وَلَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي حَلَّ الْمَالُ فَإِنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ أَنْ يُنَجِّزَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلَ.
(وَلَوْ اشْتَرَى بِأَجَلِ سَنَةٍ) غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ (فَمَنَعَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ) وَلَمْ يُسَلِّمْهُ (حَتَّى مَضَتْ) السَّنَةُ (ثُمَّ سَلَّمَ) الْمَبِيعَ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلْمُشْتَرِي (أَجَلُ سَنَةٍ أُخْرَى) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ وَإِيفَاءِ الثَّمَنِ بِوَاسِطَتِهِ وَكَانَ إلَى سَنَةٍ مَجْهُولًا عَلَى سَنَةٍ مَبْدَؤُهَا قَبْضُ الْمَبِيعِ عُرْفًا مُحَصِّلًا لِفَائِدَةِ التَّأْجِيلِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا لَا أَجَلَ لَهُ بَعْدَ سَنَةٍ لِأَنَّهُ أَجَّلَهُ سَنَةً وَقَدْ مَضَتْ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إلَى رَمَضَانَ.
وَفِي الْبَحْرِ عَلَيْهِ أَلْفٌ ثَمَنُ جَعْلِهِ الطَّالِبَ نُجُومًا إنْ أَخَلَّ بِنَجْمٍ حَلَّ الْبَاقِي فَالْأَمْرُ كَمَا شَرَطَا.
(وَإِنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ) وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِطْلَاقِ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْبَلَدِ وَعَنْ قَيْدِ وَصْفِ الثَّمَنِ بَعْد أَنْ سَمَّى قَدْرَهُ بِأَنْ قَالَ بِعْته بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا.
(فَإِنْ اسْتَوَتْ مَالِيَّةُ النُّقُودِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا (وَرَوَاجُهَا صَحَّ) الْبَيْعُ (وَلَزِمَ مَا قُدِّرَ) مِنْ عَشَرَةٍ وَغَيْرِهِ (مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ) أَيْ مِنْ الْأُحَادِيِّ أَوْ الثُّنَائِيِّ أَوْ الثُّلَاثِيِّ لِأَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثَ مِنْ الثَّالِثِ مُتَسَاوِيَاتٌ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ فَالْمُشْتَرِي يُعْطِي أَيَّ نَوْعٍ يُرِيدُ إذْ لَا نِزَاعَ عِنْدَ عَدَمِ تَفَاوُتِ الْمَالِيَّةِ وَهُوَ الْمَانِعُ فِي الْجَوَازِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَتْ رَوَاجًا فَمِنْ الْأَرْوَجِ) أَيْ أَرْوَجِ النُّقُودِ فِي الْبَلَدِ إذْ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ الْمُعَامَلَةُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فَالتَّعْيِينُ بِالْعُرْفِ كَالتَّعْيِينِ بِالنَّصِّ فَيُعْتَبَرُ مَكَانُ الْعَقْدِ فَلَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ بِبَصْرَةَ بِكَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الثَّمَنُ حَتَّى وُجِدَ الْمُشْتَرِي بِبُخَارَى يَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِعِيَارِ بَصْرَةَ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ.
(وَإِنْ اسْتَوَى رَوَاجُهَا لَا مَالِيَّتُهَا) بِأَنْ يَكُونَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ (فَسَدَ) الْبَيْعُ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى النِّزَاعِ (مَا لَمْ يُبَيِّنْ) أَنَّهُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ فَإِذَا بَيَّنَ تَنْدَفِعُ الْجَهَالَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ التَّسْلِيمِ فَيَصِحُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ رُبَاعِيَّةٌ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَسْتَوِيَ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا أَوْ تَخْتَلِفَ فِيهِمَا أَوْ تَسْتَوِيَ فِي أَحَدِهِمَا وَالْفَسَادُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الِاسْتِوَاءُ فِي الرَّوَاجِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَالِيَّةِ وَالصِّحَّةُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ وَفِيمَا إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ مُسْتَوِيَةً فِي الْمَالِيَّةِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ أَيْضًا وَفِيمَا إذَا اسْتَوَتْ فِيهِمَا وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاسْمِ كَالْمِصْرِيِّ وَالدِّمَشْقِيِّ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي دَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الطَّعَامِ) وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا وَكَذَا سَائِرُ الْحُبُوبِ كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَا يَقَعُ فِي الْعُرْفِ عَلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ إدَامٍ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَنَحْوِهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(وَكُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ كَيْلًا) فِي الْكَيْلِيِّ (وَوَزْنًا) فِي الْوَزْنِيِّ وَمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِكَيْلِهِ فَهُوَ كَيْلِيٌّ أَبَدًا وَمَا وَرَدَ بِوَزْنِهِ فَهُوَ وَزْنِيٌّ أَبَدًا، وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ (وَكَذَا) يَصِحُّ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ (جُزَافًا) وَهُوَ الْبَيْعُ بِالْحَدْسِ وَالظَّنِّ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ (إنْ بِيعَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا إلَّا إذَا كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ لِعَدَمِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ نِصْفُ الصَّاعِ.
(وَ) يَصِحُّ بَيْعُ الْكَيْلِيِّ (بِإِنَاءٍ) مُعَيَّنٍ (أَوْ) بَيْعُ الْوَزْنِيِّ بِوَزْنِ (حَجَرٍ مُعَيَّنٍ) كُلٍّ مِنْهُمَا (لَا يُدْرَى قَدْرُهُ) إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ الْإِنَاءُ النُّقْصَانَ، وَالْحَجَرُ التَّفَتُّتَ، كَأَنْ يَكُونَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ فَإِنْ احْتَمَلَهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إذَا بَاعَهُ بِوَزْنِ شَيْءٍ يَخِفُّ إذَا جَفَّ كَالْخِيَارِ وَالْبِطِّيخِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُوجِبُ التَّسْلِيمَ وَالْحَالَ، وَهَلَاكُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ نَادِرٌ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا رَوَاهُ حَسَنٌ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ لِلْجَهَالَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي الْبَيْعَ حَالًا فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّفَتُّتُ، وَالْجَافُّ فِي الْحَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَمَلَ التَّفَتُّتَ وَالْجَفَافَ أَوْ لَا إلَّا فِي السَّلَمِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَيَحْتَمِلُهُمَا فَيَحْتَاجُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ.
وَفِي التَّبْيِينِ هَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ لَا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ وَلَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقَصْعَةِ وَالْخَزَفِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يَنْكَبِسُ كَالزِّنْبِيلِ وَالْقُفَّةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي قُرْبِ الْحَالِ اسْتِحْسَانًا بِالتَّعَامُلِ فِيهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
(وَمَنْ بَاعَ صُبْرَةً) وَهِيَ بِالضَّمِّ مَا جُمِعَ مِنْ الطَّعَامِ (كُلَّ صَاعٍ) بَدَلٌ مِنْ صُبْرَةٍ (بِدِرْهَمٍ صَحَّ فِي صَاعٍ) وَاحِدٍ (فَقَطْ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ مَا سَمَّاهُ وَهُوَ الصَّاعُ الْوَاحِدُ مَعْلُومُ الْقَدْرِ وَالثَّمَنِ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ وَمَا وَرَاءَهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالثَّمَنِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ (إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَتَهَا) أَيْ جُمْلَةَ صِيعَانِهَا فِي الْعَقْدِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ صَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَصِحُّ فِي جُمْلَتِهَا لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كِيلَ) مَجْهُولُ كَالَ (أَوْ سُمِّيَ) مَجْهُولُ سَمَّى (جُمْلَتَهَا) أَيْ جُمْلَةَ الصِّيعَانِ (فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ الْبَيْعِ ظَرْفٌ لِكَيْلٍ وَسَمَّى عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ وَفِي إطْلَاقِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ لَهُ مُطْلَقًا أَمَّا فِي كَيْلِهَا وَتَسْمِيَتِهَا فِي الْمَجْلِسِ فَلِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ فِي ابْتِدَاءِ بَيْعِ الصَّغِيرَةِ وَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِي ظَنِّهِ أَقَلَّ مِنْ الَّذِي ظَهَرَ فَلَمَّا انْكَشَفَ الْحَالُ بِكَيْلِهَا أَوْ تَسْمِيَتِهَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَأَمَّا فِي عَدَمِ كَيْلِهَا وَعَدَمِ تَسْمِيَتِهَا فَلِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ اشْتَرَى صُبْرَةً وَانْعَقَدَ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(وَمَنْ بَاعَ قَطِيعَ غَنَمٍ كُلَّ شَاةٍ بِدِرْهَمٍ لَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْقَطِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدَةِ مِنْهَا مُتَفَاوِتَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الصُّبْرَةِ.
(وَكَذَا) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ (لَوْ بَاعَ ثَوْبًا كُلَّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا مَرَّ أَطْلَقَ الثَّوْبَ تَبَعًا لِمَا فِي أَكْثَرِ الْمُتُونِ وَقَيَّدَهُ الْعَتَّابِيُّ بِثَوْبٍ يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ أَمَّا فِي الْكِرْبَاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُ فِي ذِرَاعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الطَّعَامِ لِأَنَّ التَّبْعِيدَ لَا يَضُرُّهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ لَكِنَّ الْحِكْمَةَ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ فَإِذَا وُجِدَ التَّفَاوُتُ فِي جِنْسِ الثَّوْبِ اُعْتُبِرَ الْحُكْمُ فِي الْكُلِّ تَدَبَّرْ وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ اشْتَرَى ذِرَاعًا مِنْ خَشَبَةٍ أَوْ ثَوْبٍ مِنْ جَانِبٍ مَعْلُومٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَقْبَلَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فَسَادُهُ وَلَكِنْ لَوْ قُطِعَ وَسُلِّمَ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الِامْتِنَاعُ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى الْأَوْرَاقَ بِأَغْصَانِهَا وَكَانَ مَوْضِعُ قَطْعِهَا مَعْلُومًا وَمَضَى وَقْتُهَا فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ.
(وَكَذَا) لَا يَصِحُّ (كُلُّ مَعْدُودٍ مُتَفَاوِتٍ) كَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْعَبِيدِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ الْمُتَقَارِبِ كَالْجَوْزِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةِ (يَصِحُّ فِي الْكُلِّ) أَيْ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ (فِي جَمِيعِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الصُّبْرَةِ وَالْقَطِيعِ وَالثَّوْبِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَفَاوِتِ لِأَنَّ زَوَالَ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهَا تَزُولُ بِالْكَيْلِ وَالْعَدِّ وَالزَّرْعِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ مَانِعًا وَلِأَنَّ قِيَامَ طَرِيقِ الْمَعْرِفَةِ كَقِيَامِ حَقِيقَةِ الْمَعْرِفَةِ فِي حَقِّ جَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ ذَهَبًا أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَلَا يَعْلَمُ وَزْنَهَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ لَكِنْ ظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ تَرْجِيحُ قَوْلِهِمَا لِتَأْخِيرِ دَلِيلِهِمَا كَمَا هُوَ عَادَتُهُ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالزَّاهِدِي وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ وَضَعْت ضَابِطًا فَقِيهًا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ لِكَلِمَةِ كُلٍّ بَعْدَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْهُ فِي الْمُنَكَّرِ وَأَجْزَائِهِ فِي الْمُعَرَّفِ، وَهُوَ أَنَّ الْإِفْرَادَ إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُعْلَمُ نِهَايَتُهَا فَإِنْ لَمْ تُفْضِ الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ، كَمَسْأَلَةِ التَّعْلِيقِ وَالْأَمْرِ بِالدَّفْعِ عَنْهُ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا فِي الْمَجْلِسِ فَهِيَ عَلَى الْوَاحِدِ اتِّفَاقًا كَالْإِجَارَةِ وَالْإِقْرَارِ وَالْكَفَالَةِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتْ الْإِفْرَادُ مُتَفَاوِتَةً لَمْ يَصِحَّ فِي شَيْءٍ عِنْدَهُ كَبَيْعِ قَطِيعٍ كُلِّ شَاةٍ بِكَذَا وَصَحَّ فِي الْكُلِّ عِنْدَهُمَا كَالصُّبْرَةِ وَالْأَصَحُّ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ عِنْدَهُ كَالصُّبْرَةِ انْتَهَى.
(وَإِنْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةُ قَفِيزٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ) فَكِيلَتْ (فَوُجِدَتْ أَقَلَّ) مِنْ الْمِائَةِ عَشَرَةً مَثَلًا (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ الْمِائَةِ فَخُيِّرَ إنْ شَاءَ (أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْأَقَلَّ) أَيْ التِّسْعِينَ (بِحِصَّتِهِ) بِالْكَسْرِ أَيْ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِائَةِ وَأَسْقَطَ ثَمَنَ مَا عُدِمَ لِعَدَمِ ضَرَرِهِ مِنْ النُّقْصَانِ (أَوْ فَسَخَ) الْبَيْعَ إنْ شَاءَ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ رِضَائِهِ بِالْأَقَلِّ (وَالزَّائِدُ لِلْبَائِعِ) إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فِي الْكَمْيَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ قَدْرٌ وَأَصْلٌ فَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ بَلْ الْقَدْرُ الْمُعَيَّنُ وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ أَنَّهُ وَجَدَ مِائَةَ قَفِيزٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ بِلَا خِيَارٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إجْمَاعًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا مِنْهُ فَلَوْ قَبَضَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ بِلَا خِيَارٍ لَهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَفِي الْمَذْرُوعِ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَوَجَدَ أَقَلَّ فَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ (يَأْخُذُ الْأَقَلَّ بِكُلِّ الثَّمَنِ) أَيْ مَجْمُوعِهِ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِإِعْطَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ نَافِعٌ لِلْبَائِعِ لِأَخْذِهِ الثَّمَنَ بِلَا نُقْصَانٍ مَعَ عَدَمِ الْمَنْعِ مِنْ جَانِبِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الْمَذْرُوعِ لِكَوْنِهِ عِبَارَةً عَنْ الطُّولِ فَفَوَاتُهُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ (أَوْ يَفْسَخُ) أَيْ إنْ شَاءَ يَفْسَخُ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْبَيْعِ حَقِيقَةً إذْ لَمْ يُوجَدْ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ فَيَكُونُ أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ عَلَى وَجْهِ التَّعَاطِي (وَالزَّائِدُ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ بِلَا زِيَادَةٍ قَضَاءً وَلَيْسَ لَهُ دِيَانَةٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (بِلَا خِيَارٍ لِلْبَائِعِ) لِأَنَّهُ وَجَدَ الْمَبِيعَ مَعَ زِيَادَةٍ وَهِيَ فِي الْكَمْيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ صِفَةٌ وَتَبَعٌ فَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَوُجِدَ سَلِيمًا فَالْبَائِعُ لَا يُخَيَّرُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ مِنْ حَيْثُ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ قَدْرٌ وَأَصْلٌ فَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ لَا يَتَعَيَّبَانِ بِالتَّبْعِيدِ وَمِنْ حَيْثُ الذَّرْعُ وَصْفٌ وَتَبَعٌ فَالذَّرُوعُ يَتَعَيَّبُ بِهِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ ذِرَاعٍ قِسْطًا مِنْ الثَّمَنِ) بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ مِائَةُ ذِرَاعٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَوَجَدَهُ الْمُشْتَرِي أَقَلَّ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى إنْ شَاءَ (أَخَذَ الْأَقَلَّ بِحِصَّتِهِ) أَيْ بِحِصَّةِ الْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ لَا بِكُلِّ الثَّمَنِ لِأَنَّ الذِّرَاعَ هُنَا أَصْلٌ مَقْصُودٌ بِقَوْلِهِ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَنَزَلَ كُلُّهُ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ وَإِنْ شَاءَ يَتْرُكُهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إذَا لَمْ يُوجَدْ تَامًّا لَا يُوجَدُ الْعَقْدُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَاطِي.
(وَكَذَا الزَّائِدُ) أَيْ لَوْ وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْ الْقَدْرِ الْمُسَمَّى خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الزِّيَادَةَ بِحِسَابِ كُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَنَى بِقَوْلِهِ (كُلِّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ) أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الذَّرِعَانِ الْمُسَمَّاةِ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ إلَى غَايَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ دَفْعًا لِضَرَرِ الْتِزَامِ الزَّائِدِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (الْخِيَارُ فِي الْوَجْهَيْنِ) أَيْ فِي النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ بِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيهِمَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فِيهِمَا إلَّا فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ بَطَلَ الْبَيْعُ.
وَفِي الْعِنَايَةِ كَلَامٌ فَلْيُطَالَعْ.
(وَصَحَّ بَيْعُ عَشْرَةِ أَسْهُمٍ) أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ (مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ دَارٍ) أَوْ غَيْرِهَا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ مِنْهَا اسْمٌ لِجُزْءٍ شَائِعٍ وَالسَّهْمُ أَيْضًا اسْمٌ لِشَائِعٍ لَا لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ وَبَيْعُ الشَّائِعِ جَائِزٌ فَيَصِيرُ مَنْ لَهُ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ شَرِيكًا لِمَنْ لَهُ تِسْعُونَ سَهْمًا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ (لَا) يَصِحُّ (بَيْعُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْهَا) مِنْ الدَّارِ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ قَدْرًا وَمَجْهُولٌ مَحَلًّا لِتَفَاوُتِ جَوَانِبِ الدَّارِ فِي الْقِيمَةِ فَصَارَ كَبَيْعِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْفَسَادَ عِنْدَهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ جُمْلَةَ الذِّرَاعَانِ وَأَمَّا إذَا عَلِمَ جُمْلَتَهَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا (وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْأَسْهُمِ وَالْأَذْرُعِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِائَةَ ذِرَاعٍ لِأَنَّ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْهَا عُشْرُهَا كَعَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ فَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِأَحَدِهِمَا تَحَكُّمٌ.
(وَلَوْ بَاعَ عِدْلًا) عِدْلُ الشَّيْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ فِي مِقْدَارِهِ وَمِنْهُ عِدْلُ الْحَمْلِ (عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ) بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَإِذَا هُوَ أَقَلُّ) مِنْ الْمُسَمَّى (أَوْ أَكْثَرُ) مِنْ الْمُسَمَّى (فَسَدَ الْبَيْعُ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِثَمَنِ الْمَعْدُومِ الْمُتَفَاوِتِ فِي الْأَقَلِّ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَجَهَالَةِ الْمَبِيعِ فِي الْأَكْثَرِ لِأَنَّ مَا زَادَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِيمَا بَيْنَ الْجُمْلَةِ فَلَا يُمْكِنُ الرَّدُّ لِوُقُوعِ الْمُنَازَعَةِ وَالتَّعَارُضِ فِيمَا بَيْنَهُمَا فَيَفْسُدُ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا نَخْلًا مُثْمِرًا فَوَجَدَ فِيهَا نَخْلَةً لَا تُثْمِرُ فَسَدَ.
وَفِي التَّنْوِيرِ لَوْ بَاعَ عِدْلًا أَوْ غَنَمًا وَاسْتَثْنَى وَاحِدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ وَلَوْ بِعَيْنِهِ جَازَ الْبَيْعُ.
(وَلَوْ فَصَّلَ الثَّمَنَ) بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْعِدْلَ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ كُلُّ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ (فَكَذَا) يَفْسُدُ الْبَيْعُ (فِي الْأَكْثَرِ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدَ عَشَرَ مَثَلًا لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ الْعَشَرَةَ فَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الثَّوْبِ الزَّائِدِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ جَيِّدًا أَوْ رَدِيًّا وَلِجَهَالَتِهِ يَصِيرُ الْمَبِيعُ أَيْضًا مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ (وَيَصِحُّ) الْبَيْعُ (فِي الْأَقَلِّ بِحِصَّتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ تِسْعَةً مَثَلًا لِأَنَّ حِصَّةَ الْمَعْدُومِ مَعْلُومَةٌ وَهُوَ دِرْهَمٌ لِكُلِّ ثَوْبٍ فَتَكُونُ حِصَّةُ الْبَاقِي مَعْلُومَةً أَيْضًا (وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي) إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَوْجُودَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَخَذَهُ) أَيْ الثَّوْبَ (الْمُشْتَرِي بِعَشَرَةِ) دَرَاهِمَ (لَوْ) كَانَ الثَّوْبُ (عَشَرَةً وَنِصْفًا بِلَا خِيَارٍ) لِحُصُولِ النَّفْعِ الْخَالِصِ.
(وَ) يَأْخُذُ الثَّوْبَ الْمُشْتَرِي (بِتِسْعَةِ) دَرَاهِمَ (لَوْ) كَانَ الثَّوْبُ (تِسْعَةً وَنِصْفًا بِخِيَارٍ) لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ فَعِنْدَ عَدَمِهِ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُخَيَّرُ) الْمُشْتَرِي (فِي أَخْذِهِ بِأَحَدَ عَشَرَ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ عَشَرَةً وَنِصْفًا.
(وَ) يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بِأَخْذِهِ (بِعَشَرَةٍ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا إذَا وَجَدَهُ تِسْعَةً وَنِصْفًا لِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِبَدَلِهِ نَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ عَلَى حِدَةٍ وَقَدْ انْتَقَصَ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهِ فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا وَجَدَهُ عَشَرَةً وَنِصْفًا (بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ وَفِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا وَجَدَهُ تِسْعَةً وَنِصْفًا (بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ) لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدَّرَاهِمِ مُقَابَلَةَ نِصْفِهِ بِنِصْفِهِ قِيلَ هَذَا فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ وَأَمَّا الْكِرْبَاسُ الَّذِي لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ وَلَا يَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ فَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ.